بقلم: إيفانجلوس دودس
الحرب الأهلية السورية وظهور داعش والقصف الغربي لسوريا الذي أدى لنزوح الكثيرين عن بيوتهم وتحولهم للاجئين طلبا للنجاة, بالإضافة إلى هجمات باريس في نوفمبر ٢٠١٥ كل ذلك أدى لظهور خطاب سياسي يريد إظهار كل المسلمين كإرهابيين. بينما أدت حالة الطوارئ إلى لإطلاق يد السلطات الفرنسية بالتحقيق مع أي شخص يرونه كتهديد محتمل, ظهر في الولايات المتحدة مهرج إسمه دونالد ترمب والذي يزداد خطره كل يوم كون إلصاق صفة الإرهاب بالمسلمين يهدد لحمة المجتمع الأمريكي, حيث دعى إلى ترحيلهم ومنعهم من دخول البلد.
في محاولات فهم وتفسير نفسية الأشخاص الذين ينضمون لداعش نلاحظ وجود تفسير المرض النفسي, ومثال ذلك مقال منشور حديثا لأستاذ في الطب النفسي بتناول فيه العالم النفسي الداخلي للإرهابي يتحدث فيه عن “التعصب المشابه للشر الكامن في نفوسنا, ما عرفنا منه وما لم نعرف” وأيضا يذكر فيه أن ” التعصب يجعلنا ننفر من النظر لدواخل أنفسنا وعيوبها, وما يتضمن ذلك من نقد ومراجعة وتغيير”, ويستمر الكاتب ليذكر لنا كيف أن ” الأصولية الإسلامية تجد تربة خصبة في الأشخاص المتذبذبين أصحاب الشخصيات الضعيفة وغير السوية, مثل الرجال والنساء الذين يعانون من إضراب الشخصة الحدّي أو العدائية للمجتمع”.
بناء على ما سبق فإن التعصب هو سمة شخصية وجزء متجذر من الذات يحول الأشخاص العقلانيين إلى كائنات لا عقلانية تنبذ المنطق والنقد ومراجعة صحة أفعالهم, بالتالي فإن منظور المرض النفسي يفسر الانضمام لداعش على أنه نتيجة اضطراب نفسي يجعل هؤلاء الأفراد مختلّين وخطرين, وفي نفس الوقت يتمّ وبشكل كبير تجاهل السياق السياسي الذي يحرك مثل هذه السلوكيات. على النقيض من التفسير الشخصي والفردي للإرهاب, توجد بين يدينا دراسات من علم النفسي الاجتماعي والتي تشيح بنظرها عن سطح المشكلة لتقدم تفسيرات واعدة لقضية الإرهاب والتطرف, وفي ذات الوقت تقر بأهمية السياق السياسي.
تخبرنا نظرية الهوية الاجتماعية بأن الناس يعرّفون أنفسم بناء على الجماعات التي ينتمون إليها, وتضيف نظرية تصنيف الذات بأن السلوك المترتب على ذلك سيكون متسقا مع سلوك أفراد الجماعة الآخرين. مثلا يستطيع الفرد أن يكون ألمانيا مسلما ومشجع فريق رياضي بنفس الوقت بينما سلوكه يكون مبنيا على أي من تلك الهويات يكون فاعلا في لحظة معينة, فعندما يحضر لمباراة كرة قدم في أستاد رياضي فمن الأرجح أن يتصرف الفرد كمشجع رياضي فضلا عن كونه مسيحي, فيتبنى سلوك يتوافق مع سلوك مشجعين الكرة. من الجدير بالذكر أيضا أن هوياتنا يمكن أن تكون واسعة أو ضيقة, فالهوية اليونانية على سبيل المثال تسع كل اليونانيين ولكنها تقصي غير اليونانيين بينما الهوية الإنسانية تسع جميع البشر بغض النظر عن جنسياتهم.في هذه النقطة بالذات نجد الدور المهم الذي يلعبه الخطاب السياسي في تقديم الواقع وإعادة صياغته, وبالتالي القدرة على شطر العالم إلى فسطاطين “نحن” وإليه تعزى الصفات الإيجابية و فسطاط “هم” الذي تعزى إليه الصفات السلبية.
عندما تربط الهوية الإسلامية بالإرهاب لإن المسلمين يتم تصنيفهم ضمن “الآخر” الذي يشكل خطرا علينا “نحن” والمصلحة العامة, ويتم حشد الجهود لمواجهة هذا الخطر المزعوم بشكل يشابه ما يدعوا إليه دونالد ترمب والحركات الفاشية مثل حركة الفجر الذهبي ضد اللاجئين في اليونان. على النقيض مما سبق فإن تصنيف الناس على أنهم جزء من “نحن” يفتح المجال لحشد التأييد والتضامن لأن المساعدة هنا تفسر بأنها لأعضاء من نفس الجماعة.
عودة للسؤال الأساسي, ربما يتسائل أحدهم عن علاقة ما سبق بالانضمام لداعش أو الحركات المتطرفة؟ الجنرال السابق ستانلي ماكريستال قال أن “إذا تعامل الغرب مع داعش بصورة نمطية على أنهم مجموعة قتلة من المرضى النفسيين, فإننا نقع في خطر كبير بالاستهانة بهم”, وقدم الأنثروبولوجي سكوت أتران شهادة مشابهة بقوله أن “ لا يوجد هنالك إرهابيون غير عقلانيين, وإنما الحقيقة هي أسوء بكثير من ذلك“. على النقيض من التفسير القائم على التحليل النفسي فإن الدراسات الاجتماعية والنفسية تخبرنا بأن الإرهابيين ليسوا أصحاب شخصيات منحرفة بل على العكس هم يتمتعون بصحة نفسية أعلى من المتوسط, وتفسير ذلك هو بسيط وكالتالي. حتى تكون إرهابيا جيدا (كفؤا) يجب أن تكون منطقيا منضبطا وواعي لذاتك وسليم نفسيا حتى تتم مهمتك بنجاح. لذلك يجب يجب أن يركز تحليلنا على العوامل التي قادت شخص سليم نفسيا للانضمام لمنظمة إرهابية والقيام بهجمات إرهابية, وهو تفسير مستحيل خارج السياق السياسي وثيق الصلة بالظاهرة.
أظهرت الدراسات أن العوامل التي تؤثر بالتطرف هي: الحيرة الشخصية خاصة خلال النزاعات السياسية والاجتماعية, الإحساس بالظلم تجاه المجموعة التي ينتمي إليها الفرد, استهداف أفراد وجماعات بريئة, بالإضافة إلى التمييز والتهميش في المجتمعات المستضيفة. بالإضافة لما سبق فإن التطرف ربما يتأثر بعدم تقدير القيم التي يؤمن بها الفرد, افتقاد التقدير والإذلال. في بعض الحالات فإن العوامل السابق ذكرها (على سبيل المثال لا الحصر) تستطيع تقوية الروابط بين الأفراد الذين ينتمون إلى جماعة مهمشة, وتدفعهم إلى القيام بعمل متطرف لتغيير الوضع القائم بأي وسيلة, كملاذ أخير.
خلق الغرب أزمة اللاجئين من خلال الحروب التي شنها ثمّ يرفض استقبال اللاجئين ودمجهم في البلدان الغربية ويقصيهم على أنهم “الآخر”, وكنتاج طبيعي فإن اللاجئين يمتعضون وينظرون بسلبية للدول الغربية بسبب طريقة التعامل معهم, وعلى النقيض نجد أن داعش توفر لهم فرصة الانتماء والتقبل والاتحاد من أجل قضية. ما يدفع الشباب للانضمام لهذه الجماعات ليس هو القرآن أو التعاليم الإسلامية, ما يدفعهم هو حس الانتماء لمجموعة هدفها مهاجمة الغرب الذي حرمهم من التطلع للمستقبل وفرصة التعبير عن قيمهم. بالتالي يتم تحديد الغرب على أنه العدو المشترك الذي يشكل تدميره الهدف الرئيسي للإرهابيين.
للأسباب التي تم ذكرها يتضح لنا أن الانضمام لمنظمة إرهابية ليس ناتجا عن مرض نفسي ولكنه فعل ناتج عن سياق سياسي, وكلما استمر القصف زادت احتمالية انضمام أشخاص لداعش, وهو سلوك منطقي كون مزيد من الاقصاء والتمييز سوف يؤدي إلى مزيد من الامتعاض والذي يقوي موقف داعش. من الطرق الأساسية لإيقاف داعش هي إيقاف القصف و التعامل مع اللاجئين على أنهم جزء من “نحن” ودعم إدماجهم, و عامل مهم آخر هو نقد الخطاب الذي يستهدف الأقليات و القائم على ثنائية “نحن” و “هم” الذي يبرر السياسات الغربية.
قام علم النفس بإحداث ضرر كبير في القرن التاسع عشر من خلال تبرير العبودية وعمليات تحسين النسل في الولايات المتحدة الأمريكية, وعليه من الحكمة أن نتوقف عن تفسير الإرهاب من خلال السمات الشخصية والتي يحتمل أن تقود إلى استهداف جماعات وهويات محددة, والبديل هو النظر إلى السلوكيات على أنها جزء من السياق السياسي الذي توجد فيه, والذي يجب أن يفهم قبل محاولة تفسير السلوك أو الظاهرة الاجتماعية.
هذه المقالة هي نسخة معدلة من مقالة منشورة في صحيفة يونانية.
بعض أفكار هذه المقالة تمت مناقشتها مع الزملاء آن تمبلتون و خليفة الفضلي من كلية علم النفس بجامعة ساسكس بالمملكة المتحدة
Leave a Reply