تناولت مقالة حديثة حول تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي خوف الحكومة أن يؤدي هذا إلى “عدوى الاستفتاء “referendum contagion“. يشير مصطلح “العدوى” هنا ليس فقط إلى إنتشار السلوك بسرعة وإنما أيضا إلى أن الانتشار غير مرغوب ولا يمكن التحكم به. يبدوا أن هذا المصطلح شائع حاليا ولكنه يستخدم عادة في ثلاث سياقات: تفسير انتشار المشاعر, كسبب ل”فزع” سوق الأسهم, بالإضافة لتفسير انتشار العنف.
ينجح مصلح “العدوى” في وصف حقيقة انتقال المشاعر من شخص لآخر, وبالتالي يبدو كخيار وحيد لفهم ظاهرة كالشغب الذي حدث في لندن عام ٢٠١١ ثم ظهور أحداث شعب مشابهة في مدن برمنجهام ومانشستر وليفربول فيما يبدو كأنه نتيجة مباشرة للشغب الأول. الفكرة المحورية في مفهوم “العدوى” وخاصة ضمن سياق الحشود هي أنه بمجرد ازدياد تعرضنا لسلوك الآخرين العنيف فإن ذلك يقود المشاهد للتصرف بطريقة مشابهة. مصطلح العدوى ليس مجرد كليشة محببة للصحفيين وإنما نجده مستخدما كأداة مهمة في الأطروحات الأكاديمية, حيث يظهر لنا محرك البحث الأكاديمي (Google Scholar) ٥٠٠ نتيجة لعام ٢٠١٥ فقط, وقلة منها تشير إلى “العدوى” بمعنى انتشار الأمراض. حاليا, يتم استخدام مصطلح “عدوى” لتفسير كل شيء إبتداء بابسط الاستجابات كالابتسام أو التثاؤب وانتهاء بظواهر معقدة ذكرناها مسبقا مثل السلوك في سوق الأسهم وأحداث الشغب. إضافة إلى ذلك, تستخدم تجارب مختبرية للاستجابات البسيطة (مثل التثاؤب) لدعم فرضية ان مفهوم “العدوى” قابل لتطبيقه على ظواهر معقدة (مثل الشغب)
على الرغم من القبول الواسع , فإن مصطلح “العدوى” يعاني من مشاكل جذرية في تفسير إنتشار السلوك, وبالذات حدود هذا الانتشار. في حال ابتسم رجال لنكتة متحيزة ضد المرأة, هل ستبتسم النساء كاستجابة لابتسامة الرجال؟ إذا قام أشخاص بشغب في بلدة, لماذا يثور آخرون في بعض البلدان ولا يثورون في أخرى؟ على سبيل المثال, في عام ٢٠١١ أنتشر الشغب من لندن إلى برمنجهام و مانشستر وليفربول و نوتنجهام ولكنه لم ينتشر إلى شيفيلد و غلاسكو وأجزاء من ليدز.
يفشل مفهوم “العدوى” في الإجابة على هذه الأسئلة. “التلامس” (المعنى الحرفي والمجازي لكلمة عدوى) ربما يكون ضروري ولكنه غير كافي لإحداث التأثير. مفهوم “العدوى” يقوم على افتراض أن الانتقال يكون تلقائي بين المرسل والمستقبل, وأفضل ما يمكن أن يقدمه هو إعادة وصف قاصرة للسلوك على أنه غير إرادي, فضلا عن تفسيره. وفي أسوء الأحوال فإن هذا المفهوم يضفي صفة مرضية على ظواهر التأثير في الحشود وغيرها, عن طريق ربطها بظاهرة مرضية (وباء).
حاليا أقوم بالعمل مع فريق (Steve Reicher,Clifford Stott, Fergus Neville & Roger Ball) على مشروع ممول من مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية ESRC للبحث عن أسباب جديدة لانتقال تأثير السلوك بناء على نظرية الهوية الاجتماعية المأخوذة من علم النفس الاجتماعي. تفترض هذه النظرية أن عمليات التأثير تتحكم فيها حدود الانتماء للجماعة وطبيعتها, بمعنى أننا نتأثر بالأفراد الذين ينتمون لجماعتنا أكثر من الأفراد الذي لا ينتمون لها وبالسلوك المتوافق مع معايير جماعتنا أكثر من السلوك المناقض لها. لذلك نجد أن نظرية الهوية الاجتماعية مناسبة لتفسير الحدود الاجتماعية للتأثير, سواء على مستوى الاستجابات البسيطة أو أحداث الشغب.
بسبب استخدام مفهوم “العدوى” في سياقات مختلفة فإننا سنستخدم تصاميم بحثية متعددة لفحص المفهوم وإيجاد بدائل عنه. سوف نقوم بسلسلة من التجارب لفحص الاستجابات البسيطة, ولكننا سوف نتعدى ذلك إلى استخدام كمية كبيرة من البيانات الثانوية عن أحداث شغب ٢٠١١ والتي استخدم فيها مفوم “العدوى” لتفسير انتشار السلوك. النتائج التي سنخرج بها سيتم استخدامها لإثارة حوار على نطاق أكبر حول ظاهرة التأثير النفسي والقضايا العملية المترتبة عليها.
جون دروري
.This article was written by John Drury and was translated by Khalifah Alfadhli
Leave a Reply